الأرض تبوح بأسرارها لمن يمشي عليها حافياً


لماذا أحب المشي حافياً؟

أيش جوك يا شيخ؟

أحد أصدقائي المقربين -

قد يظن القارئ لوهلة (أيش فيه هذا؟)، وقد يكون مصيبًا.



قابلت صديقي الأمريكي ذو المظهر الهيپي “بايرون” للمرة الأولى في الفلبين في وسط شهر أوغست لعام 2018، وبعد قضاء يومين برفقة بعض في عاصمتها مانيلا قررنا السفر سويةً إلى بعض جزر الفلبين حيث سنتشارك خبرات السفر لنستمتع بأقصى مدة وبأقل تكلفة ممكنة.


بعدما تم شراء تذاكر الطيران من مانيلا إلى جزيرة سيبو، وتحدي صديقي الفلبيني “غراي” لي بأنني لن أستطيع إدخال حقيبة ظهري -والتي يتراوح وزنها بين 14 إلى 18 كيلو جرام- معي للطائرة بحيث علي أن أدفع خمسون دولارًا قيمة شحن الحقيبة -مبلغ الشحن يعادل قيمة التذكرة نفسها- انطلقنا أنا وبايرون إلى المطار لصعود طائرتنا وبعد نجاح تهريبي لحقيبتي بداخلها، وصلنا إلى جزيرة سيبو وبالتحديد في مدينة سيبو بعد منتصف الليل ببضع دقائق.


كان خروجنا من المطار سريعًا وسهلًا بحكم أن حقائبنا كانت معنا بداخل الطائرة.

في خارج المطار ذهب بايرون لسؤال أحد المدخنين عمّا إذا كان باستطاعته إعارته ولاعة النار لإشعال السيجارة. بعد انضمامي لهما بدأت سؤال الرجل المدخن -كان شاب أجنبي- عن بعض الوجهات المقترحة في هذه الجزيرة للذهاب إليها، وكانت أحد الوجهات المذكورة هي قرية “موال-بوال” والتي تبعد عن مدينة سيبو قرابة الثلاث ساعات بالباص. سألنا عن محطة الباصات التي ينطلق منها الباص، وكانت تبعد ثلث الساعة عن المطار؛ لكن بحكم تأخر الوقت لما بعد منتصف الليل، جميع سيارات الأجرة أسعارهم مضاعفة قرابة الأربع مرات لتأخر الوقت ولكوننا أجانب.


ضربت صدري لبايرون وقلت له: “درسك الأول | الهيتشهايكنق”.

هنالك الكثير من المسافرين القادمين إلى المطار والذين ينوون التوجه إلى المدينة مع عوائلهم أو أصدقائهم، وأن هنالك بالتأكيد أحدهم متجه بالقرب من محطة الباصات ويرغب في توصيلنا معاه؛ حيث أنه لن يكون ذو أي تكلفة على صاحب المركبة، وسنستطيع الحديث مع أحد السكان المحليين وسؤاله عن خبايا هذه المنطقة، وبالإضافة إلى توفير مبلغ التنقل. بعد حديثي مع ثاني شخص أمام بوابة الوصول في المطار وجدنا ضالتنا.

ركبنا مع صديقنا الجديد والذي لم يتردد في توصيلنا، والذي كان في المطار ليقل زوجته والقادمة على متن نفس طائرتنا، واتجهنا إلى محطة الباصات المحلية.


وصلنا لمحطة الباصات الموعودة وقد أنطلق الباص الموجود قبل لحاقنا عليه، وعلينا الانتظار لمدة ساعة حتى يأتي باص آخر. أثناء انتظارنا ومحاولاتنا لأخذ غفوة صغيرة نشحن فيها طاقتنا، وصل الباص وركبنا فيه بعد دفع مبلغ زهيد وبدأنا بالانطلاق إلى قرية موال-بوال. بعد نوم متقطع وسيء ويكاد يسمى نوم، وصلنا إلى القرية الصغيرة. كان النظام المتبع للباصات هو الوقوف على الشارع العام -ذو المسار الواحد فقط في كل اتجاه- ونزول الركاب واتجاه كلٍ حسبما يريد. كنا نريد السكن في أحد الهوستلات -بيوت الشباب- والتي لا تكلف أكثر من 20 ريالًا سعوديًا لليلة، حيث يقع هذا الهوستل نهاية الطريق الممتد للداخل بإتجاه البحر ولمسافة 4 كيلو مترات. كان أمامنا خيارين، إما نركب مع الدبابات ذات الثلاث عجلات -والتي تمثل وسيلة المواصلات المحلية- والتي كان سعرها مبالغ بها لنفس أسباب سيارات الأجرة، أو المشي على أرجلنا -عدة مرات، لعودتنا لشراء بعض المانجو من الشارع العام لاحقًا-.


بحكم وصولنا المتأخر أو المبكر -بالنسبة لليوم الجديد- لن نستطيع الدخول والنوم في الهوستل حتى شروق الشمس وبداية وقت استقبال الضيوف وذلك قرابة منتصف اليوم، وبحكم عدم وجود أي موظفين في استقبال الهوستل -باستنثاء رجل الأمن- كان من الغير ممكن النقاش مع أحد وإقناعه بالسماح لنا بالنوم. فقررنا وضع حقائبنا في الهوستل والذهاب إلى الشاطئ لمشاهدة شروق الشمس، وتبادل الأحاديث وبالتحديد الحديث عن قصة بايرون عندما كان في دولة بابوا غينيا الجديدة وإندونيسيا قبيل ثلاثة أشهر وكاد أن يسجن فيهما لمدة مجموعها يزيد عن 10 سنوات ولكنه نجى بمساعدة أحد محققي الشرطة بتهريبه إلى أستراليا [قد أذكره قصته الغريبة في مدونة أخرى].


أمضينا بعضًا -كثيرًا- من الوقت على الشاطئ وشرب شاي المتّه الأرجنتيني وأكل المانجو، وبعدها قررنا الرجوع إلى الهوستل وأخذ قسطًا من الراحة.

بعد ساعتين ونصف من الراحة قررنا الرجوع إلى الشاطئ للسباحة وأكل الغداء. لبست ملابس السباحة ونعالي وخرجت لأنتظر بايرون أمام الهوستل، فإذا به يأتيني حافيًا! سألته هل تحتاج نعالًا؟ فقال لي “لا، أُفضل المشي هكذا”، استغربت من إجابته وقلت له أن الأرض حارة وغير معبدة ومليئة بالأحجار الصغيرة وقد يكون بها بعض من شظايا الزجاج، أجابني بأن رجله تعودت على ذلك وأنها الان أقوى من قبل بالإضافة لحبه إحساس الأرض برجليه الحافيتين.


قررت بأنها فكرة غريبة، لكن من باب التجربة بدأت المشي معه حافي القدمين في قرية طرقها غير ممهدة وشمسها حارقة. بداية التجربة كانت صعبه قليلًا بحيث أن قدمي تعتبر “ناعمة” مقارنة بقدم السيد بايرون، وكان علي أن أطأ برجلي كاملة على الأرض ليتوزع وزن جسمي عليها بالتساوي ولا يكون ضاغطًا على جزء واحد مسببًا له الألم.


ملاحظة: استطرادي في سرد قصة سفري مع بايرون ليس لها هدف، باستنثاء ذكر أنه هو السبب الأول لتجربتي المشي حافي القدمين.


بعد استيعابي بأن القدم فعلًا تحتاج إلى تدريب لتصل إلى قدرة تحمل المشي الحافي على الصخور والأحجار الصغيرة والأرض الحارة، قررت بأن أعطِ هذه التجربة فرصة؛ خاصةً كوننا في قرية تغلب عليها البساطة مما يعني عدم وجود مخلفات صناعية كثيرة على الأرض وأنها نظيفة نسبيًا بعكس المدن الكبيرة.


أصبحت كل يوم أمشي لفترة تتراوح بين الساعة والساعتين حافي القدمين من باب التعود على ذلك وتدريبها. بدأت ألاحظ استمتاعي بالمشي حافيًا رغم نظرات البعض لي والتي يغلب عليها الاستغراب. كل هذا كان خلال وقتي مع صديقي بايرون في الفلبين. بعد أسبوع تقريبًا من المشي حافيًا بدأنا بالذهاب إلى الغابات والمشي فيها حفاة للوصول لبعض الشلالات المختبئة، شيئًا فشيء صرت أمشي أغلب وقتي في قرى الفلبين حافيًا وبعض الأحيان أنتعل نعالي في مدنها.


قبل قرابة السنة وأربعة أشهر بدأت بالمشي حافيًا في مختلف المناطق والتضاريس والطقوس والدول؛ ليست لفترة مستمرة بالطبع، ولكن كل بضعة أيام، ومنذ ذلك الحين قدرتي على التوازن والتسلق -جبالًا كانت أو أشجار أو كهوف- زادت وتحسنت بشكل مهول، عضلات رجلي -بالتحديد عضلة الساق-  أصبحت أقوى من أي وقتٍ مضى، قاع قدمي أصبحت أمتن ولا تخترقها شظايا الزجاج الصغيرة بسهولة، والأهم من ذلك إحساسي بالانتماء إلى ذلك المكان وشعوري بحبيبات الرمل بين أصابع رجلي والعشب الأخضر يفرش أسفل قدمي ومختلف أنواع الأخشاب أو الصخور وهي تدلك رجلي وتقص لي قصص من مشوا عليها. قد يظن البعض أن قدمي أصبحت خشنة من الأسفل، لكن الغريب بأنها ما زالت بنفس النعومة.


لذلك نعود لسؤالنا في بداية المدونة (أيش فيه هذا؟)، والجواب هو ما فيني شيء.


اضغط هنا لمشاهدة صور قدمي على مدار الشهور الماضية في إنستاقرام.

أنا وصديقي بايرون في الفلبين يوم 7 سبتمبر 2018

ملاحظة: عنوان المدونة هو مثل لقبائل الماساي الأفريقية، دلني عليه صديقي إبراهيم سرحان