إلى أين المفر؟


رحلتي للهروب من كورونا إلى كورونا

عزيزي القارئ أحداث المدونة أدناه حصلت/تحصل في أمريكا الوسطى، في النصف الآخر من الكرة.

ملاحظة: هذه المدونة كُتِبت لتوثيق المرحلة فقط، أنا بخير ولله الحمد والمنّه ولا ينقصني شيء؛ مسكني قد يكون مهترئ وقديم لكني قد سكنت فيما هو أسوء منه. هذه مغامرات عشتها وسأعيش المزيد منها، أنا هنا أشاركها معكم فقط.


عبرت الحدود المكسيكية الغواتيمالية -مرة أخرى- في يوم ١٣ فبراير لعام ٢٠٢٠ ميلادي بعد القضاء في المكسيك فترة امتدت لعدد من الشهور؛ في حينها كانت الأمور جيدة نسبيًا في أغلب دول العالم ولم يكن فيروس كورونا هاجسًا بعد، حيث توجهت إلى مدينتي المفضلة في غواتيمالا، انتيغوا لأمضي فيها بعضًا من الوقت.


أمضيت في غواتيمالا ما يقارب ٣٥ يومًا؛ خلال هذه الفترة راقبت رحلتنا -رحلة سعودي نوماد- في جزر الفلبين من تاريخ ٢٠ فبراير إلى ٢٩ فبراير والتي تكللت بالنجاح بحمد من الله وفضله، أيضًا كنا -بالتعاون مع فريقي في سعودي نوماد- نقوم بإجراءات التسجيل لرحلاتنا القادمة إلى جزيرة بالي في إندونيسيا والتي كانت من المقرر أن تكون الرحلة الأولى في تاريخ ٢٩ مارس والثانية في ١٢ أبريل، بالإضافة طبعًا إلى لقائي مع عدد من الأصدقاء المتواجدين في غواتيمالا وتنقلي بين بعض مدنها وتسلقي لبركان آكاتينانقو خلال هذه الفترة.


في بداية شهر مارس بدأ فيروس كورونا بالتفشي في دول عديدة، فما كان مننا -سعودي نوماد- إلا إعلان إلغاء رحلات بالي، علمًا بأن تذكرة سفري من هندوراس إلى بالي ومن ثم العودة إلى هندوراس تم شراءها بالفعل للذاهب بتاريخ ١٧ مارس والعودة بتاريخ ٢٩ ابريل؛ دائمًا أحب الوصول قبل المجموعة والذهاب بعدهم.


أكملت جولتي في غواتيمالا وفي خاطري إحتمالية الذهاب إلى بالي لوحدي، بحكم ان التذاكر غير مسترجعة، حيث كانت الأمور وقتها ليست بذاك السوء. لذلك كانت أمامي فكرتين عند الذهاب إلى هندوراس، إما أن أركب الطائرة وأذهب إلى بالي أو أن أذهب إلى جزيرة رواتان في هندوراس والتي تبعد قرابة الأربع ساعات عن المطار.

لماذا جزيرة رواتان؟ لأسباب عدة، أهمها: بأنها جنة على البحر الكاريبي وتحيطها المياه الكريستالية الزرقاء، وبها غابات إستوائية خضراء ومليئة بالمغامرة والاسترخاء. بالإضافة صديقي الأمريكي “هيرب” لديه فيها فيلا شاغرة مطلة على البحر ودعاني لأجلس فيها بقدر ما أريد أو أحتاج.

العجيب أن صداقتي مع “هيرب” كانت عن طريقة المصادفة؛ في أكتوبر ٢٠١٩ كنت متجهًا من تيلا، هندوراس إلى كانكون، المكسيك معتمدًا فقط على التوصيل من قبل المركبات المارة (هيتشهاكينق - hitchhiking) ، وكانت أحد هذه التوصيلات مع “هيرب”. إضغط الرابط لمشاهدة الفيديو


بعد أسبوع من إلغاء رحلاتنا إلى بالي وبين التردد فيما يجب فعله، أعلنت السعودية بتاريخ ١٤ مارس تعليق جميع الرحلات الجوية الدولية لمدة أسبوعين. هنا أدركت مدى جدية الأزمة وأحسست بالخطر وأنه يجب أن أتخذ قرارًا فوري والتصرف حياله. لا أستطيع العودة إلى السعودية، ولا أريد الجلوس في غواتيمالا بعدما تم الإعلان عن وصول كورونا إليها؛ لذلك قررت أن أشد الرحال من انتيغوا، غواتيمالا إلى “لا سيبا”، هندوراس لأخذ العبّارة لأذهب إلى جزيرة رواتان وأمضي وقتي هناك بعيدًا عن العالم وفي منأى عن هذه الجائحة.


في صباح يوم ١٥ مارس شددت الرحال -هيتشهاكينق- من مدينتي المفضلة ولمدة ٩ ساعات متوجهًا إلى قرية حدودية داخل هندوراس، حيث لدي فيها بعض الأصدقاء وسأبيت بها ليلة وأكمل طريقي إلى “لا سيبا” في اليوم التالي.

تفصيل صغير: قبل ذلك اليوم بأسبوعين تعرضت لنزلة برد وأصابتني كحة موسمية عادية، وكنت لا أزال أكح بين الفينة والأخرى؛ لذلك أثناء ركوبي مع مختلف المركبات متوجهًا إلى الحدود كنت أواجه مشكلة في كتمان الكحة حتى لا أخيف السائق ويظن أنني مصاب بالفيروس.

أمضيت يومي في التنقل بين المركبات ومقابلة مختلف الأشخاص بقصصهم المختلفة، حتى وصلت إلى قرية تبعد عن الحدود ما يقارب الثلث ساعة بالسيارة، لكن كانت هذه القرية شبه مهجورة ولا تأتيها إلا سيارة واحدة كل ١٠ دقائق وأغلب السيارات تتوقف عند القرية ولا تتعداها، وإن تعدتها فإن أصحابها لا يتوقفون لي كوني “أجنبي” ويخافون من الفيروس.


إستمر هذا الحال لمدة ساعة تقريبًا حتى أتت شاحنة عسكرية كبيرة جدًا تقل الجيش بأسلحتهم وعتادهم، فأشرت لهم -كعادتي- دون استحياء أو خوف. توقفت لي الشاحنة وأشار لي من هو في المقاعد الأمامية للشاحنة بأن أذهب إلى الخلف وأركب معهم، عند وصولي إلى الخلف ظهر لي ثلاثة عساكر يحملون رشاشات بأيديهم ومسدسات صغيرة على أفخاذهم وخلف ظهورهم وسكاكين على سيقانهم وتبدو على وجيههم أنهم لن يمانعوا ولن يترددوا أبدًا بإطلاق النار علي إذا خطوت خطوة أخرى تجاههم، قلت لهم بأنني بالفعل قد كلمت من هو في مقدمة الشاحنة وأنه سمح لي بالذهاب معكم، تحرك كبيرهم وبدون النطق بأي حرف أشار على الرشاش بين يديه ترهيبًا وتخويفًا لي. رجعت لمن هم بالمقدمة آملًا أن يكلموا من هم في الخلف ليسمحوا لي بالركوب دون قتلي، رجعت للخلف وقلت لكبيرهم أن يتواصل مع من في المقدمة ليعلم أنني صديق ولست عدو. بعد دقيقة جاء الضوء الأخضر وركبت الشاحنة واقفًا مع مجموعة من الجيش داخل شاحنتهم المهترئة والمغطاة بالغطاء العسكري ذو اللون الأخضر والبني.


بعد نصف ساعة وصلنا إلى الحدود، نزلنا جميعًا ومشيت بجانب رئيسهم الذي سمح لي بالركوب وبقية الكتيبة خلفنا وكأنهم حرس لي. ذهبوا إلى مواقعهم وأنا أكملت المشي متوجهًا نحو مكتب الجوازات، لم أكن متأكدًا وقتها أي المكاتب هو؛ لذلك سألت أحدهم والذي يظهر عليه مظهر الفاهم عن مكان المكتب، سألني عن جنسيتي ومن ثم قال لي “أوه سعودي، أنسى يدخلونك هندوراس، أنت من الجنسيات الممنوعة بسبب الفيروس” تضايقت من كلامه ومن الممكن إنني نهرته قليلًا مبديًا زعلي، أكملت طريقي إلى مكتب الجوازات لأختم خروج من غواتيمالا ومن ثم أختم دخول إلى هندوراس.


عند مدخل المكتب الشبه مهجور -بسبب الفيروس- كانت هناك دكتورة ومساعداتها يفحصن درجة حرارة الداخلين إلى المكتب ومن ثم إعطائهم ورقة تثبت خلوهم من أي إرتفاع للحرارة. بعد فحصي وأخذي للورقة دخلت المكتب، وتوجهت لكشك هندوراس راغبًا بالتأكد من إمكانية دخولي إلى هندوراس قبل أن أختم خروجي من غواتيمالا، بحيث لا أريد أن أعيد قصة أوغندا ورواندا حيث ختمت خروجي من الأولى وبعدها رفضت الثانية دخولي وعلقت بين الدولتين.


بعد إجراءات قاربت من الساعة، وذلك لعدم معرفتهم الجواز السعودي ومتطلباته من تأشيرات إلى آخره ووجوب تأكدهم من كل شيء مع المسؤولين، أنهيت إجراءات دخولي إلى هندوراس بسلام. تبقى الآن ركوب أخر مركبة والوصول إلى مدينتي الحدودية -لا تبعد سوى ١٠ دقائق عن الحدود-. المشكلة التي واجهتها هي شبه انعدام وجود أي مركبات، وكان هناك فقط ثلاثة باصات للركاب -في أوقات مختلفة- والتي لم استطع ركوبها والذهاب معهم؛ حيث أن سائق الباص الأول رفض حتى الحديث معي أو الاقتراب مني لكوني أجنبي خوفًا من الفيروس، والباص الثاني وافق على توصيلي معه ومن ثم ذهب وتركني ونقض عهده، والباص الأخير رفض لعدم حملي أي مبلغ نقدي من عملة هندوراس.


بعد الانتظار لمدة ساعة مشيت قليلًا حتى وصلت إلى نقطة تفتيش وسألني العسكري فيها عن حالي، فشرحت له الحال. بعد أن تحقق من جوازي أشار لي بأن أنتظر قليلًا وهو سيوقف السيارة القادمة لتقلني إلى وجهتي. بعد مضي عدة دقائق، أتت سيارة خاصة من نوع بيك-اب وأخذتني معهم إلى مدينتي. وصلت إلى بيت صديقي لأبيت عنده تلك الليلة، وأثناء تناولنا للطعام -والذي كان بيتزا بالمناسبة- أعلنت الحكومة الهندوراسية عن إغلاق جميع منافذها البرية والبحرية والجوية وذلك بالضبط بعد ساعتين من عبوري للحدود.


أصبحت مبكرًا في يوم ١٦ مارس وبعد شرائي فطوري لأكله في الطريق شددت رحالي وأزري وهممت ببدء رحلة اليوم متوجهًا إلى”لا سيبا” قاصدًا العبّارة التي ستقلني إلى جزيرتي، جزيرة رواتان. في هذا اليوم سأحتاج أن أمر بمدينة “سان بيدرو سولا” والتي لي فيها أصدقاء عدة بالإضافة أنها تعتبر أحد أخطر المدن في العالم بعدما كانت أخطرها لعدة سنوات على التوالي. كان خروجي من القرية الحدودية جدًا صعبًا لعدم توقف أي مركبة لي لأنني -مرة أخرى- أجنبي والذعر بسبب الفيروس قد تفشى. بعد ساعات عدة وصلت إلى مدينة في منتصف الطريق، حيث تبيّن لي سوء الوضع في هندوراس؛ تم إيقاف جميع الباصات وسيارات الأجرة والعبّارات وجميع وسائل النقل العامة ولا يسمح إلا بمرور السيارات الخاصة، مما يعني استنفار أغلب الناس في هندوراس كون المواصلات العامة هي وسيلتهم الأساسية للتنقل.


أنا الان في مدينة لا أعرفها وجميع المواصلات العامة متوقفة والجميع في حالة استنفار، مما يجعلني في الطريق أبحث عن مركبة تقلني بالإضافة إلى وجود عشرات -أو مئات- من العوائل تبحث عمن يقلها أيضًا، جاعلةً المنافسة صعبة ونسبة أن أجد سيارة خاصة تقلني جدًا قليلة. مشيت كيلومترات عدة متوجهًا نحو مخرج المدينة لعل أن تخف المنافسة وأن يتوقف أحدهم لي، ولحسن حظي بعد انتظار لمدة ساعة توقفت سيارة صغيرة، ركضت باتجاهها ولساني حالي يقول “والله ما تروح”، سألته إلى أين ذاهب فأخبرني بأنه ذاهب إلى مدينة “سان بيدرو سولا” فبدأت بإدخال شنطة ظهري في المرتبة الخلفية، وأثناء ذلك أتى رجلين إلى السيارة يترجّونه بأن يوصلهم معنا، فرفض بأنه واحد يكفي.


وفي الساعة الواحدة ظهرًا انطلقنا إلى وجهتنا التالية، “سان بيدرو سولا”،  مع صديقي الجديد سائق السيارة الصغيرة الطبيب “كارلوس” والذي كان سهل الكلام ووسيع الصدر؛ سألني إلى أين أنا ذاهب وعن حكايتي فقصصت له جميع ما مررت به وشرحت له الوضع الحالي لي، بعدها سألته نفس السؤال فأخبرني بأنه ذاهب إلى “سان بيدرو سولا” ليستقبل أخوه القادم من جزيرة رواتان، نفس الجزيرة التي أود الذهاب إليها، وأن أخوه عالق الان في مدينة “لا سيبا” بحيث أنه تم إكتشاف إصابة بالفيروس هناك والمدينة الان في استنفار وتم إقفال جميع الشوارع حتى يتبين لهم الإجراءات القادمة.


كلما اقترابنا من “سان بيدرو سولا” كلما تبين لنا سوء الأوضاع في هندوراس. أصبحت الساعة الثالثة عصرًا وأخو “كارلوس” لم يستطع مغادرة “لا سيبا” بعد، علمًا أنه محاصر فيها من الساعة التاسعة صباحًا. وصلنا إلى “سان بيدرو سولا” قرابة الرابعة عصرًا، أراد “كارلوس” إنزالي أمام المحطة الرئيسية لمحطة الباصات والتي تقع بعيدًا عن وسط المدينة، فنهرته وقلت له بأنه جميع الباصات مغلقة ماذا سأفعل؟ قال لي بأن لديه بعض الأوراق التي يجب أن يخلصها في مكتب له في المدينة وبعدها بإمكانه الذهاب بي إلى أي مكان شئت، وافقت على ذلك وانطلقنا بإتجاه المكتب، وبعد وصولنا للمكتب اكتشفنا بأنه مغلق. قررنا الذهاب إلى مجمع تجاري لكي أنزل فيه وأجد لي ما آكله ولكي لا أشغل صديقي “كارلوس” عن مخططاته، لكن المجمع التجاري كان مغلق وأمامه طابور من المصطفين الذين لم يستطيعوا الدخول. أخبرت “كارلوس” بأن هناك مطعم ماكدونالدز في بداية الشارع وبإمكانه إنزالي هناك والذهاب إلى أشغاله، فإذا بالمطعم أيضًا مغلق. قررت استئجار سيارة والذهاب بها إلى “لا سيبا” لكن جميع محلات التأجير كانت مغلقة، أغلب المحلات في المدينة كانت مغلقة. في ليلة وضحاها أصبحت المدينة شبه مهجورة، لا يوجد بها سوى قلة من المشاة والسيارات. أخبرت “كارلوس” بإمكانه إنزالي في هوستل -نُزل بيوت الشباب- حتى يتسنى له الذهاب وأن يتسنى لي معرفة ما يجب فعله مع توفر الإنترنت. عند وصولنا إلى الهوستل فإذا به مليء ولا يوجد به مكان شاغر لأنام به الليلة، طلبتهم بأن يسمحوا لي بالجلوس ساعة أو ساعتين حتى أقرر ما سأفعل وأخبرت “كارلوس” بإمكانه الذهاب.


الهوستل كان مليء بالأجانب المحاصرين في هندوراس أيضًا، كل شخص لديه قصته ولديه وجهته. جلست وبدأت بالتواصل مع أصدقائي وبالبحث عما يجب فعله، أرسل لي صديقي “كارلوس” أنه سيبدأ حظر التجول في هندوراس الساعة السابعة مساءً، مع العلم أن “لا سيبا” تبعد عني ثلاثة ساعات. بعد ساعة (أصبحت الساعة قرابة الخامسة والنصف عصرًا) وجدت رقم تاكسي خاص وعلى استعداد لإيصالي إلى “لا سيبا” مقابل ١٢٠ دولارًا أمريكيًا، وحجزت لي غرفة عن طريق تطبيق Airbnb في بيت يقع أمام الميناء والذي يقع على حدود مدينة “لا سيبا”. انطلقت مع التاكسي الخاص كالبرق في الطريق متوجهين إلى المدينة بسرعة تجاوزت ١٤٠ كلم/ساعة، مع العلم أن متوسط السرعة في طرقات هندوراس وبالتحديد طريقنا هو ٩٠ كلم/ساعة.


الطريق شبه خالي من السيارات. بدأت الشمس بالغروب وبدأت تظلم الطرقات وأسمع السائق يتكلم في الجوال بأن يصبروا لنا وألا يقفلوا الشوارع بعد. قلبي لم يهدأ ولا دقيقة طوال الطريق، تخوف من السرعة الجنونية وترقب لما سيحدث لنا عند بدء حظر التجول وما إذا كان بإمكان الذهاب إلى الجزيرة أم لا. كل هذه الأسئلة اختفت بمجرد دخولنا إلى مدينة “لا سيبا” والتي كانت موحشة وكئيبة ولا يوجد بها أي شخص أخر في الشوارع سوانا، وكأن القيامة قد قامت. عند وصولي لبيتي الجديد قرابة الساعة السابعة والخمسة واربعين دقيقة، دفعت لسائق التاكسي بالدولار الأمريكي، وأخذت شنطتي وأخبرت صاحب البيت بأن نذهب إلى الميناء للبحث عن سفينة شحن ذاهبة إلى جزيرة رواتان، قد يحالفني الحظ ويقبل ربّان إحدى السفن أن يوصلني معهم. للأسف لم أستطيع إيجاد أحد بإن يقبل بإيصالي معهم، ولذلك للتشديد من قبل السلطات الهندوراسية على سفن الشحن.


رجعت إلى بيتي الجديد بصحبة مالكه “خوزيه” وأنا خائب الرجاء والجوع يقتلني، سألني “خوزيه” عما إذا أكلت أم لا فأخبرته بإنني لم آكل منذ فطوري، قال لي بأن جميع المطاعم مغلقه الان لكن إذا كان بإمكاني الطبخ فهنالك في بيته بعض الأكل والذي يمكنني طبخه. عند وصولي لمطبخ بيته، اكتشفت بأن “خوزيه” وعائلته المكونة من أمه وابنه وزوجة ابنه وابن اخته لا يطبخون أبدًا، وأن جميع المواعين في البيت باليه وغير قابلة للاستخدام. خارجت نفسي بإستخدام ما هو موجود وقمت بعمل المعكرونة لي، وبعدها تواصلت مع السفارة السعودية في المكسيك وأعطيتهم آخر مستجداتي وخلدت للنوم.


في اليوم التالي، يوم ١٧ مارس -يوم رحلتي المفترضة إلى جزيرة بالي في إندونيسيا-، ذهبت إلى الميناء مرة أخرى آملًا بأن أجد ضالتي، لكن حظي العاثر كان أقوى. رجعت لبيتي خائبًا أملي ومنكسرًا جناحي، لقد علقت هنا في “لا سيبا” ولا يوجد هناك شيء بإمكاني فعله. جميع الحدود مغلقة، لا يمكنني مغادرة هندوراس ولا يمكنني العودة إلى السعودية ولا يمكن للسفارة السعودية مساعدتي.


أخبرني “خوزيه” بأن حظي سعيد لقدرتي على حجز الليلة السابقة في بيته عن طريق Airbnb لأنه ألغى إمكانية الحجز في جميع الغرف التي يأجرها إلا غرفتي تركها متاحة عن طريق الخطأ؛ بعدما بدأت شركة Airbnb بحث أصحاب البيوت بعدم إستقبال أي أحد كإجراء إحترازي للحد من تفشي الفيروس. أخبرت “خوزيه” أن الأمور سيطول وقد أحتاج بأن أجلس عندهم لفترة قد تصل للأسبوعين، هز كتفيه وقال لي بأنه لا يمانع طالما بأنني لست مصابًا بالفيروس وأعطاني كمامة من نوع N95 من باب الوقاية.


بتاريخ ١٩ مارس أعلنت الحكومة الهندوراسية عن رفع حظر التجول لعدد من الساعات للسماح للمواطنين والمقيمين بالتبضع من البقالات وإعادة مخازنهم الغذائية. بالأمس -يوم ٢١ مارس- أعلنت الحكومة الهندوراسية تمديد مدة حظر التجول ٩ أيام إضافية لينتهي في تاريخ ٢٩ مارس بدلًا عن يوم ٢٣ مارس -غدًا-.


ها أنا الان في يومي السابع -يوم ٢٢ مارس- في بيت “خوزيه” أكتب هذه المدونة والتي لست راضيًا عنها كامل الرضى، لكن الشكوى لله محجور وأحس بالإنهاك الجسدي والعقلي لجلوسي طوال الوقت وعدم قدرتي على التحرك كما أرغب وعدم قدرتي الطبخ والأكل بشكل جيد لعدم وجود جميع المقادير في المتاجر التموينية ولعدم وجود مطبخ ذو مواعين ممتازة تعين على الطبخ بشكل جيد.


هذه المدونة مجرد توثيق لهذه الأيام والتي بإذن الله ستمضي مثلما مضت غيرها.