أمريكا الجنوبية


يومي الأول في رحلة استكشاف الترحال

بدأت رحلتي في الخامس عشر من ديسمبر لعام ٢٠١٦ للميلاد.

كانت أول رحلة طيران هي من لوس انجلوس، ومروراً بپاناما، والانتهاء في كولومبيا. الرحلة من لوس انجلوس إلى پاناما تعرضت للتأخير قرابة الساعتين بسبب الأمطار، وفي هذه الأثناء تعرفت على ڤيسينتي من تشيلي ودانيال من پاراقواي، وقضينا وقتنا في الحديث ومشاركة المعلومات عن الأماكن الجميلة في أمريكا اللاتينية. كانت الرحلة من پاناما إلى كولومبيا بعد ساعة ونصف من وقت الهبوط الأساسي من لوس انجلوس، فالساعتين التي قضيناها في مطار لوس انجلوس ونحن ننتظر الأمطار أن تقف كانت بمثابة اختبار لنا. بفضل من الله اقلعنا من لوس انجلوس ووصلنا لپاناما على موعد اقلاع الطائرة الأخرى، فما كان مننا الا ان نركض عبر المطار مسافة لا بأس بها ورافعين بها جوازاتنا وتذاكرنا ملوحين بها للبوابة حتى ينتظرونا ولا يغلقوا البوابة. كنت أنا قبل اخر شخص ركب الطائرة.

اليوم الأول

بدأت الرحلة الفعلية في كولومبيا، وبالتحديد في العاصمة بوقوتا حيث هبطت الطائرة في مطار العاصمة قرابة الساعة الرابعة مساءً من يوم الجمعة، السادس عشر من ديسمبر.

التقيت في الطائرة من پاناما إلى كولومبيا بفتاة كولومبية تبلغ حوالي ٢٦ عام، ماريَّا كان اسمها. ماريَّا هي طالبة ماجستير علم نفس في الولايات المتحدة الأمريكية، وهذه الرحلة هي زيارتها الأولى لكولومبيا منذ ثلاثة أعوام.

تجاذبت أطراف الحديث معها حيث أخبرتني أنها تنتظر هبوط الطائرة على أحر من الجمر حتى تلتقي بأخيها خوزيه الذي سيقلها من المطار وأبناء اخيها، لاورا -٦ أعوام- وخوان -عامين-.

لسوء حظي ولحسنه، شريحة الجوال الأمريكية التي كانت معي لم تكن صالحة للإستخدام خارج الولايات المتحدة الأمريكية ولم استطع استخدامها فور هبوطنا، فعرضت علي ماريَّا ان تساعدني بالسماح لي بإستخدام هاتف أخيها خوزيه للإتصال بصديقي دانيال -٢٥ عام- والذي تعرفت عليه عن طريق الإنترنت والذي كنت ذاهب لأبات عنده لليلتين.

بعدما إنتهينا، أنا وماريَّا، من إجراءات الجوازات وإستلام الأمتعة ذهبنا للخارج للإلتقاء بخوزيه لأستخدم جواله، فما كان منه إلا أنه عرض علي وأصر أن يقوم هو بإيصالي لأقرب نقطة من بيت دانيال يستطيع الوصول إليها، مع العلم أن بيت خوزيه وماريَّا يقع في مدينة تونخا والتي تبعد حوالي ساعتين على الأقل عن العاصمة بوقوتا.

ركبنا سيارة خوزيه المتواضعة وبدأنا في رحلة الكفاح والتهور في القيادة في شوارع بوقوتا. كانت ماريَّا محرجة من سوء تخطيط الشوارع وسوء تنظيم المرور وقيادة السيارات وتعتذر لي من المناظر التي اشاهدها، وفي داخلي كنت أقول “أبد والله كأننا في السعودية، المنظر مألوف”. وفي خضم العراك مع السيارات الأخرى في الشارع حاولت ابدأ محادثات صغيرة مع لاورا، والتي بالمناسبة تملك أجمل عينين صادفتهما في حياتي*، أسبانيتي كانت بنفس مستوى إنجليزيَّة لاورا، والتي هي صفر تقريباً. علمتني ماريَّا بعض الجُمَل المهمة بالأسبانية والتي سأحتاجها خلال رحلتي، وكانت بالتحديد أربعة جُمَل، “أين الحافلات التي تذهب إلى …؟” و “النجدة!” و “أنا جوعان” و “تحدث ببطء، لو سمحت”، وكان هذا أول تَعرُّض حقيقي لي مع الأسبانية.

بدون سابق إنذار بدأت لاورا بإظهار إستياء وعدم إرتياح مع قليلاً من الدموع التي كادت أن تسقط لكن ربك كان أرحم، وقف أبيها خوزيه جانباً تحت أحد الجسور وضارباً بالسيارات الأخرى عرض الحائط، نزلت لاورا بصحبة ماريَّا سريعاً من السيارة وبعد دقيقة رجعوا للسيارة والضحكة على محيا لاورا ظاهرة من على بعد كيلو متر. بعد السؤال تبين لي أن لاورا أرادت أن تلبي نداء الطبيعة، فما كان الإجراء السريع هذا الا شيء شبه طبيعي -حسب قول ماريَّا- في هذا الجزء من العاصمة.

بعد عدة إتصالات وإتفاقات بين خوزيه ودانيال وصلنا لمكان اللقاء والتي سوف يقلني منه دانيال إلى بيته. وصل دانيال بصحبة والده إلى المكان، ودَّعتُ ماريَّا وخوزيه ولاورا وخوان وتبادلت وسيلة التواصل مع ماريَّا وتمنت لي التوفيق في رحلتي وأعطتني بعض التحذيرات عن طبيعة الحياة في كولومبيا والتي قد تكثر فيها السرقات.

ركبت السيارة مع دانيال ووالده ولم تكن هناك إلا مرتبة واحدة فإضطررنا أن نجلس بجانب بعض حتى نصل للبيت، في هذه الأثناء بدأت الحديث مع دانيال ووسؤاله عن حياته وطبيعة العيش في كولومبيا. دانيال شاب تخرج من الجامعة حديثاً وبدأ شركته الناشئة بالشراكة مع ثلاثة من أصحابه والعمل في وظيفة في جهة حكومية متخصصة في المباني والتلوث البيئي. ما إن وصلنا إلى بيت دانيال حتى قام بتعريفي على والدته والتي كانت غاية في الإحترام والكرم، وأدخلني غرفته وأعطاني سريره وأشعرني إنني فعلاً في بيتي. بالمناسبة، بيت دانيال في الحقيقة هو شقة ذات ثلاثة غرف وحمام وليس ڤيلا، وقابلت أيضاً اخو دانيال وزوجة اخيه والذين يسكنون معهم في نفس الشقة.

أصر عليَّ دانيال أن يريني المنطقة المحيطة لبيتهم -وبالمناسبة ايضاً البيت بعيد جداً عن مركز المدينة وقد يستغرق ساعة ونصف للوصول له- وتعليمي كيفية قراءة اسامي الشوارع ومعرفة الاتجاهات بالاسبانية، ثم ذهبنا لشراء شريحة جوال كولومبية لي لأستخدمها بدلاً عن الشريحة الأمريكية. بعد قرابة ساعة من الوقت قضيناها في المشي والتنقل السريع في المنطقة لرؤية أكبر قدر ممكن قبل غروب الشمس، رجعنا للبيت -أو الشقة- مرة أخرى لأرتاح أنا وليذهب دانيال لوظيفته في شركته الناشئة. استقبلتني والدة دانيال بشوربةٍ تقليدية مع شطيرة جبن وكأس من عصير فاكهة اللولو الكولومبية اللذيذة جداً.

بعد أن إنتهيت من الأكل ذهبت بالأواني الفارغة إلى مطبخ الشقة -والذي لا يتعدى حجمه متر في متر- لأغسلها، فنهضت أم دانيال سريعاً وهي تتكلم بالأسبانية وسحبت مني الأواني، وفهمت أن المطبخ مكانها هي وحدها وهي المسؤولة عنه. رجعت لغرفة دانيال وبدأت بالإسترخاء ومحاولة إستيعاب ما أنا عليه وإقناعي بإني سوف أنجو في هذه الرحلة، وبدأت أخطط لفعالياتي وخط سيري غداً. بعد بضع ساعات من التخطيط والتفكير والإبحار في عالم الإنترنت للبحث عن المعلومات، رجع دانيال من شركته ودون إظهار أي تعب أو تملل، بدأ بالحديث معي بكل حماس وإطلاعي على أهم الأحداث في يومه. انتقلنا في الأحاديث من موضوع إلى آخر حتى إنتهى المطاف بنا بالحديث عن فاكهة اللولو الكولومبية، والتي اكتشفت انها فاكهة عجيبة جداً حيث انها لا تنبت الا في كولومبيا وليس في أي مكان آخر، ليس حتى الدول المجاورة! بعد الإنتهاء من كل هذه الأحاديث الشيقة، استأذنت دانيال ان اذهب للخلود إلى النوم حيث ان الساعة قاربت من الواحدة صباحاً.

صديقتي الصغيرة لاورا

ملاحظة: كُتبت هذه المذكرات في فبراير٢٠١٧