دباب الموت


استئجار دباب في كينيا قد يقتلك

أحداث المدونة أدناه حصلت في شهري أغسطس وسبتمبر لعام ٢٠١٧ ميلادي، الموافق لشهر ذو الحجة لعام ١٤٣٨ هجري.


يوم الخميس الموافق ٢٤ أغسطس كان هو آخر يوم لي في برنامج التدريب الصيفي في مرحلتي الجامعية، الموافق الثاني من شهر ذو الحجة؛ بعدما أمضيت شهرين أعمل في الصباح بدوام كامل كمهندس برمجيات في شركة التدريب وفي الليل بدوام جزئي في مطعم كمضيف، تاركًا ثمان ساعات للنوم وساعة للتنقلات والأكل.


إنتهت فترة العمل، والآن سأكافئ نفسي بالسفر إلى دول شرق أفريقيا -كينيا، أوغندا، رواندا-. وضبت حقيبة ظهري وانطلقت في اليوم التالي، يوم الجمعة، إلى مطار الملك فهد في الدمام، معلنًا بذلك بدء مغامرتي التالية. كانت رحلة الطيران يتخللها توقف في مطار الملك عبدالعزيز في جدة لعدد من الساعات وبعد ذلك نستكمل رحلة الطيران إلى مطار نيروبي، عاصمة كينيا. بعدما تم تصعيدنا إلى الطائرة في جدة فجر يوم السبت، تفاجئت بأن عددنا لا يتعدى الخمسة والثلاثون راكبًا والطائرة من نوع Boeing 777، طائرة كبيرة جدًا تتعدى سعتها الإستيعابية ٣٠٠ راكب؛ لكن علمت فيما بعد أنها كانت ذاهبة لإحضار الحجاج من كينيا عند عودتها.


عند طباعة بطاقات الصعود تم تعيين مقاعد جميع الركاب بجانب بعض؛ في أول ثلاثة أو أربعة صفوف. جلست بجانبي فتاة شابة ، لوهلة شككت بأنها سعودية، بدأنا بالحديث باللغة الإنجليزية عن مدى غباء توزيع الأماكن في الطائرة وعن كيف كل واحد منا سيذهب إلى المقاعد الوسطية في صف مختلف للنوم فيها. بعد دقائق من الأحاديث الصغيرة تبيّن لي بأنها سعودية، مما زادني فضول؛ سألتها مالذي أتى بك إلى كينيا لوحدك؟ فقالت لي بأنها عاشت مع عائلها في الولايات المتحدة الأمريكية لفترة طويلة وصديق أبيها، إيطالي الجنسية، من أيام أمريكا لديه منتجع خاص على المحيط الهندي في قرية صغيرة اسمها “ماليندي” وعائلتها قد وصلوا قبلها هناك وأنها ستطير إلى هناك بمجرد وصولنا إلى نيروبي. تبادلنا أرقام التواصل ودعتني إلى منتجع صديقهم في حال كنت في تلك الجهة من كينيا، وأن عائلتها سيحبوا أن يقابلوني ويستضيفوني، كرحال سعودي غلبه حب الاستكشاف.


بعد عدة ساعات من النوم على مقاعد الطائرة ذات المساند المطوية، وصلنا إلى نيروبي ظهر يوم السبت، خلال انتظاري في طابور الجوازات تعرفت على شاب سوداني خلوق كان معي على متن الطائرة، آتيًا من جدة للدراسة في نيروبي. أنهينا إجراءات السفر واتفقنا على الذهاب سويةً إلى وسط المدينة متشاركين بذلك تكلفة سيارة الأجرة لعدم عثورنا على إحدى الباصات التشاركية ذات التكلفة الزهيدة. نزلت أنا في أحد المجمعات التجارية منتظرًا صديقي الكيني وزوجته بأن يصلوا ليقلوني معهم. أخذوني في جولة صغيرة حول نيروبي تعرفت بها على نظام الباصات المحلية وكيفية التنقل. بت في بيتهم ثلاثة ليالي؛ خلالها تجولت في العاصمة نيروبي وجربت باصاتهم العجيبة والتي يطلق عليها ”ماتاتوز” للجمع و”ماتاتو” للمفرد، وهي عبارة عن باصات مغطاة برسومات جرافيتيه مبهرة وفي داخلها توجد شاشات عملاقة تقوم بعرض الأغاني الصاخبة والتي تصدح من سماعاتها الجبارة والمخبأة تحت كراسي الباص، ومعروف عن سائقي هذه الباصات بوفرة المخدرات لديهم وقيادتهم العنجهية واللامبالية في الشوارع. ما آثار دهشتي واستغرابي هو تفاني أصحاب هذه الباصات بتزيين باصاتهم، حيث كل باص لديه “ثيمه” الخاص وقد يكون هذا “الثيم” عن أي شيء؛ عن فيلم أو عن علامة تجارية أو عن فريق كورة أو عن شيء عشوائي مثل الأحذية مثلًا، حيث ركبت باص مليء بصور جميع أنواع الأحذية بمختلف ألوانها وأشكالها.


عزمت الذهاب إلى المدينة الساحلية مومباسا والمطلة على المحيط الهندي بعد قضاء ثلاثة أيام عجيبة في العاصمة، مومباسا بلدة جميلة جدًا مليئة بالألوان والحياة، والجرائم أيضًا. اشتريت تذاكر باص ينطلق من نيروبي العاشرة مساءً ويصل إلى مومباسا السادسة صباحًا، تاركًا لي وقت كافي للنوم والراحة.

ملحوظة :كنت أعاني في أفريقيا من سهولة تفريقي عن السكان المحليين بسبب لون بشرتي، على عكس أمريكا اللاتينية مثلًا؛ حيث كانوا ينادونني بالـ”موزونقو” وهي كلمة باللغة السواحلية تطلق على الأجنبي صاحب البشرة بالبيضاء.

مالم يكن بالحسبان هو وصول الباص إلى مومباسا أبكر من المتوقع؛ لقد وصل الباص في الساعة الخامسة والنصف فجرًا، لم تبزغ الشمس بعد، سأكون “موزونقو” وحيد في محطة الباصات. نزلت من الباص مترددًا ولا أعلم أين أنا، تلفت يمنة ويسرة ولم يكن هناك سوى ما ظننت بأنهم مجرمين وهم هنا لينالوا مني. عدت أدراجي وركبت الباص وطلبت من السائق أن يكمل طريقه -وهو المرور بجميع البلدات الساحلية مُنزلًا بعضًا من الركاب في كل واحدة منها- وأن يأخذني معه وخلال هذه الفترة سأقرر أين سأنزل.


تصفحت الخريطة في هاتفي النقال أبحث عن مكان قريب وبعيد في نفس الوقت، قريب بحيث أستطيع النزول له قريبًا فلقد مللت من الباص ولكن بعيد بحيث هناك وقت كافي للشمس بأن تشرق. وجدت ضالتي في مكان لا أعلم عنه أي شيء سوى اسمه على الخريطة، بلدة صغيرة جدًا على الساحل ذو الشواطئ البيضاء والمياه الزرقاء كانت تسمى “واتامو”. أبلغت السائق بأنني أريد النزول عند “واتامو”، فأشار بيده إلى فتاتين وقال أنهن سينزلن هناك، إنزل معهم. جلست بجانب الفتاتين وسلمت عليهن وقلت لهن بأنني ذاهب إلى “واتامو”، فكانت المحادثة كالتالي:

-الفتاتين: من أين أنت؟


*أنا: من السعودية


-الفتاتين: مالذي أتى بك إلى هنا -أي واتامو-؟


*أنا: لا أدري


-الفتاتين: أين ستسكن؟


*أنا: لا أدري


-الفتاتين: ماذا تود فعله هنا؟


*أنا: لا أدري


-الفتاتين: هل تعرف أحدًا هنا؟


*أنا: لا

من حديثي مع الفتاتين تبين لهن بأني أسافر على بركة الله وحفظه ودعاء الوالدين.


وصلنا إلى نقطة النزول، أخذنا أمتعتنا وذهب الباص. قالت لي إحداهن بأنه لا يوجد هنا أي سكن على الطريق العام، ويجب علينا الدخول بإتجاه الساحل للعثور على فنادق ويجب علينا أخذ أحد وسائل المواصلات المحلية “التوك-توك” حيث ان المسافة أبعد من أن نمشيها. في طريقنا نحو الفنادق أخبروني بأنهم سيبيتون في أحد المنتجعات مع أصدقائهم من الكنيسة، حيث أنهم اعتادوا الذهاب إلى نفس المنتجع سنويًا برفقة بعض لمدة أسبوع والاستمتاع بحياة الشاطئ وممارسة عباداتهم في مكان مفتوح. سألتني إحداهن عن ميزانيتي للسكن ثم اقترحت علي بأن أذهب معهم للمنتجع، قد أستطيع إيجاد غرفة في نطاق ميزانيتي.


وصلنا إلى المنتجع وبدأوا إجراءات تسجيل الدخول وبعدما انتهوا أخبروا موظف الاستقبال بأني صديقهم وحثوه أن يساعدني. سألني موظف الاستقبال عن ميزانيتي للسكن فأخبرته بأنها تتراوح حول العشرة دولارات أمريكية، أخبرني بأن أرخص غرفه لديهم وهي آخر غرفة متوفرة بخمسة وأربعين دولارًا لليلة الواحدة شاملة بوفيه للإفطار وللغداء وللعشاء مطلة على المحيط الهندي وعلى بعد ٥٠ متر من الماء الأزرق الكريستالي. عرض جميل لكن لا، لن أدفع خمسة وأربعين دولارًا من أجل سكن. سألته عن إمكانية تخفيض السعر باعتباري جزء من مجموعة الكنيسة وصديقهم، بعد استشارة سريعة مع مديرته أخبرني بأنها بثلاثين دولارًا الان، أخبرته بأنها ما زالت خارج نطاق ميزانيتي. دعاني للانضمام “لأصدقائي” الجدد إلى بوفيه الإفطار، وبعدها بإمكاننا استكمال حديثنا عن سعر الغرفة.


تعرفت على أغلب أعضاء مجموعة الكنيسة والمكونة من ما يقارب الأربعين شخص بمختلف أعمارهم، وبعد الإفطار رجعت إلى الاستقبال لأكمل المساومة. طلبت من موظف الاستقبال نداء مديرته ليتيح لي الحديث معها بشكل مباشر؛ حضرت المديرة وأخبرتها بأن هذه آخر غرفة لديهم، ونسبة أن يستأجرها أحد جدًا قليلة بحكم ان كل المنتجع مستأجر من قِبل مجموعة واحدة. أخبرتني بأنها تستطيع السماح لي بنصب خيمتي بالإضافة إلى وجبات الطعام الثلاث مقابل عشرة دولارات، فقلت لها بأني لا أملك خيمة. انتهى بي المطاف باستئجاري للغرفة بخمسة عشر دولارًا.


دخلت غرفتي الفارهة ووضعت أغراضي ثم ذهبت لأكمل يومي بصحبة المجموعة. لعبنا كرة القدم على الشاطئ وسبحنا في المياه المنعشة وأكلنا الغداء سويةً. لاحظت خلال وقتي على الشاطئ بكثرة وجود القوارب الصغيرة للاستئجار، فقررت ان اسأل مجموعتي عما إذا كانوا يعلمون إذا كان بإمكاني استئجار دباب لأسوقه؛ بحكم إيماني بأن الدبابات هي أكثر وسيلة فعالة لاستكشاف الدول الجديدة، لرخص سعرها وسعر بنزينها وسهولة إيقافها في أغلب الأماكن. كل المجموعة أجابوا بالنفي، تأجير الدبابات في كينيا ليس شائع، ويجب عليك التنقل بإستخدام “التوك-توك”.


رجعت إلى الشاطئ حيث كانوا أصحاب القوارب وناديت بصوتٍ عالي بأنني أريد استئجار قارب، تجمع حولي اثنا عشر رجلًا، أخبرتهم بأني في حقيقة الأمر راغب باستئجار دباب وليس قارب. كلهم تأففوا وتضجروا من فعلتي الا رجلًا واحد أتى لي وقال لي بإمكانه إعطائي دبابه بمقابل عشرين دولارًا لليوم الواحد، وافقته الرأي وقلت له عرّف لي اليوم، كم ساعة في اليوم؟ فقال لي ٢٤ ساعة، قلت له حسنًا أريد منها ٦ ساعات فقط، وذلك يعني مقابل خمسة دولارات فقط. أحس الرجل بالخدعة لكني ذكّرته بأنه هو من وضع السعر وليس أنا، قبل الرجل بهذا السعر واتفقنا على اللقاء في نفس المكان غدًا صباحًا لآخذ الدباب ومن ثم تبادلنا أرقام التواصل.


واصلت يومي على الشاطئ استمتع بوقتي أمام الأمواج المتراخية، عندها لاحظت بأن أغلب الأطفال الكينيين الموجودين على الشاطئ عندما يروني يركضون تجاهي ويصرخون بـ”تشاو” -وهي كلمة تستخدم للتحية باللغة الإيطالية-. استغربت لماذا “تشاو” بالتحديد؟ لماذا لا تكون “هيلو” أو “هاي”؟


رجعت إلى غرفتي بعد أكل العشاء، منهك بعد يومي الطويل. استلقيت على سريري وبدأت اتصفح الخريطة وأخطط ما اريد زيارته غدًا على دبابي الجميل، انتبهت ان الخريطة شبه فارغة تقريبًا ولا يوجد بها سوى الشارع الرئيسي، بالإضافة إلى أن “واتامو” قريبة جدًا من “ماليندي” ولا تبعد سوى نصف ساعة بالدباب. أرسلت رسالة للفتاة السعودية بأنني قريب من “ماليندي” وأستطيع زيارتهم ، بعد حديثها مع أمها أخبرتني بأني مدعو على الغداء في منتجع صديقهم الإيطالي الخاص.


أصبحت في اليوم التالي وأنا مليء بالطاقة وأشع إيجابية وحيوية، انهيت فطوري وانطلقت نحو نقطة اللقاء مع مالك الدباب لأبدأ مغامرتي لهذا اليوم السعيد. وصلت إلى موعدنا ومشيت معه نحو مكتبه الخاص بتأجير القوارب لكتابة عقد/فاتورة للدباب، عند وصولي للمكتب اكتشفت بأنه ليس مالك الدباب ولا القوارب ولا أي شيء، إنما هو مجرد موظف والمالك هو من في المكتب. لا مشكلة، لا يعنيني من هو المالك، فأنا هنا لاستئجار الدباب ولست هنا للزواج من المالك. أخبرني المالك بأنه خطر علي بأن أذهب بالدباب وحدي، ويجب علينا أن نلغي اتفاقنا. رفضت وقلت لن ألغي أي شيء، سأدفع الخمسة دولارات وسآخذ الدباب لستة ساعات ولن يثنيني عن ذلك شيء، فهذا ما اتفقنا عليه بالأمس. رفض المالك مرة أخرى لأنني “موزونقو” وأنه خطر على صحتي، ثم أضاف إلى ذلك قصة عن صديقًا لهم قد قتلوه بعضًا من اللصوص بالأمس حتى يسرقوا دبابه. لن تنطلي علي هذه القصص التخويفية حتى يتراجعوا عن اتفاقنا بالأمس، فيا سبحان الله، ما نسبة حصول هذه السرقة والقتل فقط “بالأمس” عندما اتفقت معهم على دفع مبلغ قد احسوا بأنه قليل؟ أصررت على استئجار الدباب ولن أتراجع عن ذلك. قال لي المالك حسنًا ان كنت مصر على ذلك، فنحن مصرين على ان لا تذهب لوحدك بل سيذهب معك أحد مننا ليبعد عنك عيال الحرام الذين لا يخافون الله. بعد نقاش لعدة دقائق وافقت ان يركب معي “كريس” ذو العضلات المفتولة والوجه المليء بالندوب والجروح والشعر الطويل الأشعث المربوط بحلقات حديدية.


سألني “كريس” إلى أين وجهتنا، قلت له لا أدري لكن سأقود وأرى إلى أين يأخذني الطريق. بدأنا في التجول يمنة ويسرة حتى اكتشفت بأن خريطة هاتفي النقال لا فائدة منها، وان “كريس” هو دليلي الان. بدأنا بالحديث عن مواضيع عدة؛ تذكرت الأطفال على الشاطئ وتحيتهم لي بـ”تشاو” فسألته عن سر قولهم ذلك، فقال لي بأن كينيا وإيطاليا ليس بينهم اتفاقية تسليم المجرمين وهناك الكثير من المافيا الإيطالية هربوا من إيطاليا وأتوا للمناطق الساحلية في كينيا واشتروا فيها منتجعات فارهة ليسكنوا فيها بقية حياتهم، وأنهم كثيرًا من المرات عند خروجهم للمناطق العامة يتصدقون ببعضًا من المال على الأطفال الكينيين، وهذا سبب ظنهم بأن أي أجنبي هنا هو إيطالي غني. بعد سماعي لهذه المعلومة، قمت ببعض الحسابات في عقلي وقررت أن لا أذهب إلى صديقتي الفتاة السعودية ذات العلاقة مع المافيا الإيطالية. للأسف هذا رأيي قبل ثلاثة سنوات عند حدوث القصة، لو عاد بي الحال الان مرة أخرى لذهبت وتعرفت على عائلتها وصديقهم الإيطالي، فالفضول يقتلني.


بعد التجول في المنطقة واستكشاف بعض القرى الصغيرة ، دلني “كريس” على مطعم سمك في مكان لا يوجد في أي خريطة، يبعد عن منتجعي قرابة النصف ساعة. انتهينا من الأكل وبدأنا بالعودة إلى مكتب مالك الدباب، وعند اقترابنا قال لي “كريس” بأنه سيريني شيء وأنه يجب علي الالتفاف واتباع توجيهاته، أخبرته بأننا سنتأخر على المالك لكنه قال لي لا تقلق. بدأنا بالابتعاد عن القرى والبيوت وأحسست لوهلة بالخوف من أن “كريس” لديه نية سيئة، لكني طمأنت نفسي بأنه لو كان يريد فعل شيء لفعله من بداية الرحلة. وصلنا إلى مكان بعيد عن كل شيء، هناك صوت شخص يصرخ في السماعات الكبيرة الموضوعة في كل مكان، المكان أشبه بكرنفال أو مهرجان أو شيء من هذا القبيل، هنالك مئات الأشخاص وأنا الوحيد “الموزونقو” بينهم، أوقفت الدباب خارجًا ونزلت مع “كريس” ونظرات الجموع كلها نحوي، لم استطع أفسر هذه النظرات؛ هل يجب أن أظهر بمظهر الشديد القوي وأحد نظري تجاههم أو هذا قد يستفزهم؟ أم يجب أن أظهر بمظهر اللطيف المسالم وانشر ابتسامتي نحوهم أو هذا قد يجعلني فريسة سهله لهم؟ لم أفهم ماذا يجب علي أن أفعله، لذلك لزمت الحياد وجعلت وجهي دون تعابير.


لا زلت لم أستطع قراءة المكان، لماذا كل هؤلاء الأشخاص هنا؟ ولماذا هذه الخيام المؤقتة المنشورة حول المكان؟ وبماذا يصرخ هذا الرجل في السماعات؟ لقد كان يتكلم باللغة السواحلية. مع اقترابنا من أحد المجموعات في نصف هذا المكان الغريب بدأت أسمع صوت بكاء ونحيب. بدأت أكون تصوّر عن هذا المكان؛ هذا المكان هو عزاء، والمجموعة في منتصف المكان هؤلاء أهل وأقارب المتوفى. لحظة! هذه صورة المتوفى، وبجانبه صورة دبابه! سألت “كريس” من المتوفى؟ قال لي هل تذكر صديقنا الذي أخبرناك عنه بأنه قد قتل وسرق دبابه بالأمس؟ هذا هو. تسارعت نبضات قلبي، بدأ فمي بالجفاف وبدأت أحس بالدوار قليلًا. استجمعت نفسي وشكرت “كريس” على مصاحبته لي وشرحت له كم أقدر الآن وجوده معي وحمدت الله أن “كريس” في فريقي وليس مع الفريق الآخر.


رجعنا إلى المكتب وأعدت الدباب إلى المالك، وشكرته على جعلي أصطحب “كريس” معي. ألغيت فكرة استئجار أي دباب مرة أخرى في كينيا، حتى أعرف ما أنا عليه أو أجد لي “كريسًا” أخر.


كتبت هذه المدونة بعد ما تم إنتشار هذا “الميم” والذي آثار في نفسي بعض ذكريات العزاء لسببٍ لا أعلمه.